الممكن والمستحيل- رحلة فلسفية بين العلم والمعرفة

المؤلف: عبداللطيف آل الشيخ11.08.2025
الممكن والمستحيل- رحلة فلسفية بين العلم والمعرفة

‏‏في خضم فعاليات مؤتمر مبادرة مستقبل الاستثمار الذي استضافته الرياض في الأسبوع الفائت، صرح صاحب السمو الملكي الأمير عبدالعزيز بن سلمان، وزير الطاقة السعودي، بعبارة مدوية: "أقولها للتاريخ مدوية.. المملكة العربية السعودية هي الدولة الفريدة التي شهدت تحولات وتطورات جمة في هذه الحقبة الوجيزة.. السعودية لا تعترف بكلمة مستحيل".

‏سأتناول بإيجاز في هذه المقالة استكشاف طبيعة الإمكان والاستحالة من منظور فلسفي وفكري.

في أروقة الفلسفة وعوالم الميتافيزيقا، يتردد صدى سؤال عريق حول جوهر الإمكان والاستحالة.

‏هل من الوارد أن يتحول الممكن إلى مستحيل قاطع؟!

‏أو أن يصبح المستحيل واقعاً ملموساً وممكناً؟! هذا التساؤل ليس مجرد تمرين ذهني عابر، بل هو غوص عميق في صميم إدراكنا لما قد يعجز الفهم عن استيعابه.

‏الممكن، في الفكر الفلسفي، هو كل ما يحتمل الوقوع أو العدم.

‏ويرتبط هذا المفهوم الوثيق بالحرية الإنسانية، والفرص المتاحة، والاحتمالات المتنوعة. ولكن هل يمكن حقاً أن يتحول الممكن إلى مستحيل لا مفر منه؟!

‏بوسعنا التأمل في هذا السؤال من خلال استعراض الأحداث التاريخية، فعلى سبيل المثال، كان من الوارد نشوء حضارة متقدمة على كوكب آخر، ولكن إذا لم يتحقق هذا الأمر بالفعل، فإن هذا الاحتمال يصبح مستحيلاً بالنسبة لحاضرنا الراهن.

‏بهذا التصور، يتحول الممكن إلى مستحيل عندما ينقضي الزمن ويصبح ماضياً لا يمكن تغييره أو تعديله.

‏أما المستحيل، فهو كل ما يقع خارج نطاق القدرة أو التصور البشري.

‏ومع ذلك، يزخر تاريخ العلم والفلسفة بأمثلة جلية تثبت أن المستحيل قد أصبح ممكناً بفضل التقدم والابتكار.

‏فالطيران في الفضاء كان يعتبر ضرباً من الخيال ومستحيلاً، حتى أثبتت البشرية عكس ذلك من خلال سعيها الدؤوب.

هنا، ندرك أن المستحيل قد ينقلب إلى ممكن بفضل تبدل الظروف أو توسع آفاق الفهم أو تطور القدرات البشرية.

‏في هذا المضمار، يلتقي الفكر الفلسفي مع العلم بطرق مدهشة تبعث على الفضول والتساؤل.

‏فالعلم يدفع باستمرار حدود الممكن إلى أبعد مدى، محولاً المستحيل إلى ممكن من خلال الابتكار والاكتشاف والتجربة الدؤوبة.

‏بينما تتساءل الفلسفة عن الجوهر والمعنى الكامن وراء هذه التحولات العميقة. فهل توجد حقاً حدود فاصلة للممكن؟!

‏وهل بمقدور العقل البشري أن يتجاوز حدود الاستحالة بمجرد التفكير العميق والتأمل؟!

‏إن مقولة «استحالة الممكن وإمكانية المستحيل» ليست مجرد مفارقة فلسفية مجردة، بل هي دعوة صريحة لاستكشاف آفاق الوجود والمعرفة بروح منفتحة.

‏فهي تظهر لنا أن ما نعتبره ممكناً أو مستحيلاً قد يكون مجرد نقطة انطلاق لاكتشافات جديدة ومدهشة.

‏هذا الفكر يشجعنا على تحدي المسلمات الراسخة، وعلى دفع الحدود إلى أقصى مدى، وربما على إعادة تعريف جوهر الوعي والإبداع في عالم زاخر بالاحتمالات اللانهائية.

‏وهكذا، يبقى الحوار قائماً بين الفلسفة والعلم، ليكشف لنا أن المستحيل قد يصبح ممكناً، وأن الممكن قد يتحول إلى مستحيل، وذلك تبعاً لتغيرنا المستمر وتطور فهمنا للكون الفسيح.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة